إذا كنت قرأت أحد بيوت الشعر المترجمة يومًا ما وشعرت بأن تلك الترجمة الأدبية تنقل لك المشاعر والأحاسيس الحقيقة التي كان يحملها الشاعر، بل أصبحت تتخيل كأنك تعاصر تلك البيئة التي وَلّدت تلك الأبيات الشعرية، فأعلم أن من قام بترجمة هذا النص الأدبي ما هو إلا مُبدع حقيقي، استطاع أن ينقل التراث الفني بشكل صحيح وسليم بنسبة 100%، ولكن هل هذا يُعني أن هذا المترجم لم يواجه صعوبات متعددة أثناء ترجمته للنص الأدبي؟
بكل تأكيد لا، فالترجمة الأدبية واحدة من أرقى وأصعب أنواع التراجم على الإطلاق، ودائمًا ما يكون طريقها محفوف بعدد من المصاعب التي تحتاج لمُبدع حقيقي ليتجاوزها، فما رأيك الآن أن نتعرف سويًا على الترجمة الأدبية وصعوباتها بشيء من التفصيل.
ما هي الترجمة الأدبية
قد ينظر بعض الأشخاص إلى عملية الترجمة إنها مجرد نقل كلام من لغة لأخرى دون أي إبداع أو عناء، وبكل تأكيد هذا أمر خاطئ تمامًا، حيث تُعتبر الترجمة فن بكل ما تحمل الكلمة من معنى، كما إنها تتطلب بعض الصفات المعينة التي يجب توافرها في الشخص القائم عليها والتي قد سبق وأشرنا إليها سابقًا في مقال بعنوان ما هو فن الترجمة.
ويوجد العديد من أنواع التّراجم فهناك الترجمة القانونية، و المالية، والاقتصادية، والأدبية وغيرهم من الأنواع، وبكل تأكيد يحمل كل نوع من هذه الأنواع صعوبات بعينها، ولكن هناك شبه اتفاق بأن الترجمة الأدبية تحتل المرتبة الأولى من حيث الصعوبة.
وبالرغم من صعوبة وضع تعريف محدد للترجمة الأدبية، إلا أنه يُمكننا القول بأنها عبارة عن عملية نقل منتج أدبي ما سواء شعر أو نثر أو قصة أو أي نوع آخر من الفنون من لغة إلى أخرى، مثل الترجمة من الإنجليزية للعربية أو العكس والتي قد تحدثنا عنها سابقًا في مقال بعنوان أسرار الترجمة من الإنجليزية للعربية والعكس وذلك بشرط القدرة على جعل القارئ يتعايش ويتجاوب مع النص مثل ما يتعايش معه أصحاب اللغة الأصلية.
أبرز أساليب الترجمة الأدبية
عند البحث بين مُترجمي النصوص الأدبية نُلاحظ أنهم ينقسمون إلى فئتين، حيث تتبع كل فئة أسلوب معين في عملها، وتتمثل تلك الأساليب فيما يلي:-
- الأسلوب الحرفي
نجد أن بعض المترجمين يتعمدون إلى استخدام الترجمه الحرفية في النصوص الأدبية، وذلك إدعاءً إنهم يلتزمون بمبدأ الأمانة في عملية النقل، ولكن النتيجة النهائية تكون مأسوية للغاية، حيث يتجرد النص الأدبي من كافة المشاعر والأحاسيس التي يحملها فيصبح نص جامد لا جدوى منه.
- الإمتاع الفني
بالنسبة للفئة الثانية من المترجمين فهم يركزون بشكل أكبر على تحقيق الهدف الرئيسي للنص القائمون على ترجمته وهو الإمتاع الفني للقارئ ونقل موهبة المؤلف له، لذلك فنجدهم لا يترددون في القيام بصياغة إبداعية وإعادة ترتيب الأفكار في بعض الأحيان، ولكن بشرط أن كل إضافة تدور في فلك النص الأصلي ولا تخل بالمضمون.
أبرز صعوبات الترجمة الأدبية
كما ذكرنا سالفًا أن للترجمة الأدبية العديد من الصعوبات، ومن أبرز تلك الصعوبات ما يلي:-
- التشبيهات والصور البلاغية
واحدة من أهم مصاعب ترجمة النص الأدبي هو كثرة الصور والتشبيهات البلاغية، حيث من المهم للغاية أن يكون المترجم مُلم بأكبر عدد من مفردات اللغتين الأصلية والمُراد الترجمة إليها، ولعل ذلك الأمر جعل الكثير من الخبراء يملون إلى أن المترجم الأدبي بوسعه العمل بأي من أنواع التّراجم الأخرى، ولكن لا يحدث العكس على الإطلاق.
- التعايش مع النص
عند ترجمة نص أدبي يكون على المُترجم محاولة التعايش مع النص بكافة حواسه ووجدانه، وهو أمر قد لا يتقنه الكثيرون مما دفعنا لوضعه في قائمة الصعوبات، فالأمر يتطلب إنسان مرهف الحس ذو خيال عالي وواسع، حتى يتمكن من الوصول للحالة النفسية والشعورية التي عاصرها المؤلف، وهو ما ينعكس بطبيعة الحال على الكلمات التي يُرسخها في الصفحات وتنتقل فيما بعد للقراء.
- الافتقار للكثير من الحكم والعبارات الاصطلاحية
من بين الصعوبات التي تواجه المترجمين المختصين بالمجال الأدبي الافتقار للكثير من الحكم والعبارات التي كانت سائدة في الكثير من الحقب الزمنية، والتي كانت بطبيعة الحال مُستخدمة في العديد من النصوص الأدبية، ولكن من الممكن التغلب على ذلك بكثرة البحث والتعلم حول المفردات والدلالات المختلفة، ولا بأس أن يتم الاستعانة ببعض القواميس الأدبية.
نصائح هامة عند ترجمة النصوص الأدبية
بالرغم من عدم تمكننا من إنكار صعوبات ترجمة النصوص الأدبية، إلا أن هذا لا يُعني على الإطلاق إنها أمر مستحيل، ولعل الدليل الأكبر على ذلك شمول موقع كاف للخدمات المصغرة والمسابقات على قسم كتابة وترجمة والذي يشمل على المئات من المترجمين المحترفين،
ونجد أنه يمكن محاولة التغلب على صعوبات هذا النوع من التّراجم عن طريق بعض الأمور، وذلك مثل:-
- الإلمام بقواعد اللغتين: أولى الخطوات الصحيحة لترجمة نص أدبي هو الإتقان التام لقواعد اللغة الأصلية للنص، واللغة المراد الترجمة إليها.
- التماسك اللغوي: من أهم صفات النص الأدبي المترجم بشكل صحيح هو تحقيق التماسك اللغوي، فكل كلمة بل كل حرف يكون ذو مدلول ومعنى ومرتبط جيدًا بما يسبقه وما يليه، وهنا للآسف الشديد قد يفتقر بعض المترجمين لتلك المهارة، فيصبح النص مشوه وتُهدر قيمته الفنية والثقافية.
- النظر إلى المعنى والمضمون: حتى تصبح مترجم ناجح فلابد أن تعلم أن كل كلمة تحتاج لتركيز شديد للغاية، وأن مضمون السياق أو الحديث هو الذي يفرض عليك المفردات التي تقوم باختيارها.
2 تعليقات